جميلة المترو

في أواخر تشرين، كانت نسمة من الهواء الباردة تلامس وجنتيه وتحملق في عينيه، وتخفف عنه حر ما تبقى من الصيف العتيق. كان ذاهبا إلى الجامعة. أضواء الشمس تتقاطع مع السحب لتصنع سيمفونية آبدية. دخل إلى محطة المترو، وانتظر القطار. ظل يتطلع في المارة لعله يجد من يعرف وجهه، أو لعله يجد من يستأنس بوجهها في لحظات الانتظار. جاء الصوت الصارخ الصاخب من بعيد، ووقف أمامه وفتحت الأبواب. صعد المترو، نظر إلى المقاعد الخالية تقريبا ممن يأهلونها بالجلوس، كانت الساعة العاشرة ومن الطبيعي ألا يكون مذدحما في هذا الوقت. اعترضه وجه ملائكي ينظر نحو النافذة ذات السياج الحديدية، وكانت تمسك بيدها احدى السياج وكانها في أسر. كانت تجلس بجانبها امراءة في الاربعين من عمرها تقريبا، وأمامهما كهل بدين إلى حد ما. أخذته قدماه ليجلس بجوار الرجل البدين. كانت السيدة والرجل يتحدثان من آن لأخر حتى عبرت محطتان ونهضا الاثنين من مكانهما واتجها ناحية البوابة التي قد فتحت بابيها وخرجا لينتقل هو امامها مباشرة، ظل ينظر لأعينها الجميلة السوداء، ويتطلع بشفاتها التي أخذت لون الكرز الجميل، لم ينسى الشعر الذي خيل له أنه شلالات من ليل متساقط فوق رأسها مع الانسمة التي تجعله يتطاير إثر سرعة المترو. كانت لا تضع ميك آب نهائيا، بل جمالها هو الذي يصرخ من وجهها الأكثر رقة. لم يشعر بنفسه إلا وأنه يتحدث بأجمل الكلمات، وأرق المشاعر، وأجمل التعبيرات..لم يتحدث أو يقول هذا الكلام من قبل،، لم يشعر باحتياجه للحب قدر ما أحس به الان........... لكن،، ماذا؟،، لم ترد عليه،، لم تضفي تأثيرا على وجهها غير تلك النظرة البلهاء التي صممت أن تنظر بها نحو الخارج وهي تضع يدها فوق سياج نافذة المترو،، لم تعيره اهتماما،، لم يتحرك ضلعا واحدا من أضلاع وجهها بالعبوس أو النفور أو حتى البسمة لقاء الاستهزاء من كلماته البلهاء الجنونية... لماذا؟،، وكيف؟،، سقط في بئر الجنون للحظات،، نظر إلى القطار حوله وشعر بالإحراج،، لماذا لم تنهض وتجلس على اي من المقاعد الأخرى والتي منها المزيد في عربة المترو،، -هذا إن شعرت بالضيق إثر كلامه- ولكنها لم تفعل،، ولم تعبر،، ولم تتنهد..وقف المترو في المحطة التالية،، فتحت الأبواب،، صعدت فتاة في مثل عمرها تقريبا،، ظلت تنظر هنا وهناك،، استقر نظرها على الفتاة الجميلة،، ابتسمت وخطت نحوها،، وضعت يدها على كتفها،، تفاجأت،، نظر إلى الفتاة وابتسمت،، أخذت تشير بإشارات من يدها،، ردت الفتاة الأخرى بإشارات بيدها،، أخا يتحدثا بالإشارات.نهض من مكانه خاجلا من نفسه واتجه ناحية الباب، ظل ينظر إليها، وصلت المحطة التالية، نظر إليها نظرة أخيرة قبل أن تفتح الأبواب ويخرج منها إلى الأبد.
محمد السماني 2003